الصفوية في الميزان
كثر الحديث عن الصفوية والصفويين، وخصوصا في السنين العشرة الاخيرة اي ما بعد التغيير الامريكي في العراق، قيل ان التسمية مشتقة من اسم جد الملوك الصفويين والذي لم يكن ملكاً بل متصوفاً ويدعى (صفي الدين اردبيلي). عندما نجح اسماعيل شاه بتأسيس امبراطوريته التوسعية التي سميت بالدولة الصفوية. ومن ثم خرجت الصفوية من اطارها اللفظي التاريخي الى سُبة تستخدم جهلاً ضد الشيعة بصورة عامة وشيعة العراق بصورة خاصة، سوف اخوض في الاسباب والنتائج المتعلقة بذلك بعد اطلاع القارئ الكريم على نبذة عنها.
تُعرف الصفوية مضموناً بانها التسييس الايراني للمذهب الشيعي الجعفري من اجل الهيمنة والحكم، وبسبب طموح اسماعيل شاه الصفوي اول ملوك الدولة الصفوية في ١٥٠١م لتوسيع رقعة مملكته وحكم المنطقة الاسلامية باسرها وذلك بعد توسع نفوذه في ايران والسيطرة عليها كليا وبعد ان قام باجبار شعوبها على اعتناق المذهب الشيعي عنوة،
كانت طموحاته منافسة الامبراطورية العثمانية ذات المساحات الشاسعة من الدول العربية والاسلامية، والتي هي حكمت ايضا باسم الدين الاسلامي والمذهب السني الحنفي بعد تسييسه لمصالحهم الشخصية، ولكنه رأى ان منافسته اياهم لزعامة العالم الاسلامي بأسره مستحيلة، لان ذلك يتطلب خوض حروب طويلة محسومة النتائج لصالح العثمانيين، وخضع جمهور الشيعة من العرب وغيرهم لنفوذه بعد استعماله اساليب الترغيب والترهيب، و رافق ذلك الطموح الكثير من القتل واراقة الدماء، (واسماعيل شاه هذا يذكرنا بالملك البريطاني هنري الثامن وزوجاته السبعة عندما اراد تطليق احداهن فأضطر لتغيير مذهب الشعوب البريطانية من الكاثوليكية الى البروتوستانتية، هذا ما هو مذكور، ولكن الحقيقة هي تنافس مع الفاتيكان الكاثوليكية، فقام بأبتكار مذهب جديد من اجل النفوذ والهيمنة اللاهوتية على مساحة اكبر، وكذلك يذكرنا بأنفصال محمد علي جناح من الهند بحجة تأسيس دولة خاصة للمسلمين حباً بهم، وهذا ايضاً ما يقال والحقيقة هي حب الانفصال والسيطرة والحكم والجاه، وكذلك يقال السبب هو خلافه مع نهرو حول عشيقته وهي زوجة اللورد مونباتن الانكليزي، وكذلك صاحبنا اسماعيل يقال انه تشيع بسبب طلاق احدى زوجاته وهو سكران، اذن الجميع يشترك بقاسم مشترك وهو المرأة ! )، والاهم هو ابتكاره ذلك الاسلوب الذي في غاية الذكاء، ألا وهو اختلاق بِدعٍ وطقوس متطرفة من خلال دس روايات مختلقة وموضوعة عن النبي (ص) والائمة الاطهار من اهل بيته (ع)، و ذلك لاستمالة عواطف الشيعة الذين حُرموا من مزاولة شعائرهم الاسلامية المعتدلة تحت حكم بني عثمان الطائفي الجائر، وذلك بالاعتماد على رجال دين شيعة اتى بهم من جبل عامل في جنوب لبنان، كالشيخ البهائي والحر العاملي والمحقق الكركي وكثيرون غيرهم، وكان الشاه يأمر وهم يسطرون ويملؤون الكُتب، اي مال وعز وجاه.. مقابل ما تريد منا يا شاه ! وكانوا يتبوؤن مراكز قضائية عالية في الدولة الصفوية، وكان يغدق العطاء الجزيل لهم، وانشأ شاه اسماعيل مجلسا اعلى لعلماء الشيعة برآسته، ورصد له ميزانية كبيرة لتحقيق احلامه وطموحاته في السيطرة والهيمنة عن طريق المتاجرة في المعتقدات. فمنذ ذلك الزمن تغير نمط حياة الشيعة في كل مكان، وبأوامرٍ منه وممن خلفه في الحكم من اخوانه واولاده بدأت الكتب العقائدية الشيعية الجديده تظهر للوجود، بكل ما فيها من بدعٍ واساطير ورواياتٍ موضوعة والتي تعمل على توسيع هوة الخلاف السني الشيعي الذي كان من قبل شيئاً لا يكاد ان يذكر، بعد ان رسموا صوراً مشوهه للخلفاء الراشدين (رض) والبعض من الصحابة الاجلاء، ومن تلك الكتب التي لا حصر لها ولاعدد والتي كانت بمثابة الطعنة الكبرى في قلب الفكر الشيعي المعتدل والمتسامح، هي سلسلة “بحار الانوار” المُسيّسة للعلامة محمد باقر المجلسي ذو المائة وعشرة من الاجزاء والتي تحتوي على ما يقشعر له البدن من رواياتٍ موضوعة تخدم مصالح ملوك الصفويوون التوسعية والطائفية، والتي يقول فيها مؤلفها (اسميتها بحارًا لاحتوائها على الغث والسمين)، لدرجة بحيث امر السيد الخميني في ثمانينات القرن الماضي بحذف بعض الاجزاء مما يسمى بالمطاعن والتي كانت شعاراً للدولة الصفوية، حيث كانوا يطعنون بالصحابة الاجلاء وامهات المؤمنين (رض) جهراً وعلناً لدرجة جعلت شيعة الحجاز والقطيف المعتدلين الكرام يمتعضون ويرفضون ذلك ويُآخَذون بذنب غيرهم ويدفعون الثمن، واراد احد المتطرفين المعاصرين اعادة طبع اجزاء تلك المطاعن في لبنان فهدد بالقتل، فخاف وعدل عن ذلك.
وكان من اول ما سيسه الصفويوون من المراسم الشيعية هي قضية عاشوراء الانسانية، فاختلقوا قصصا وروايات متناقضة و كثيرة على شكل كتب ادعية منسوبة الى الائمة الاطهار من آل بيت الرسول (ص) ومن تلك الروايات مايسئ حتى لآل البيت (ع) انفسهم، وكذلك ادخلوا التطبير بالسيوف للضرب بها على الرؤوس، والسلاسل والاشواك الحديدية للضرب بها على الظهور، وفتحوا الباب على مصراعيه لتدخُل خزعبلات من الترك ومن الهند كالمشي على النار في يوم عاشوراء والتَبَرك بتقبيل حصان يدَعّون انه من احفاد حصان الامام الحسين المسمى ذو الجناح، وخرافات اخرى كثيرة لتشوه تلك المسيرة الناصعة والمبادئ الصحيحة التي من اجلها خرج ابي الاحرار الامام الحسين بن علي (ع) ليقارع الظلم والاستبداد، كل ذلك من اجل الحلم الصفوي الهدّام. ولكن هيهات ان يطفئوا نور الله.
فمناسبة عاشوراء كانت عند الشيعة في زمان الشريف الرضي علم اعلام الشيعة وفخرها، ان يجتمع الشيعة والسنة معاً للاستماع الى القرأن الكريم ومن ثم يتبادلون الشعر في مدح الفضيلة المتمثلة بالامام الحسين (ع) ورثائه بطريقة تليق بمن كان جده محمد المصطفى (ص) وابوه علي المرتضى(ع) وامه سيدة النساء فاطمة الزهراء (ع) واخوه الامام السبط الحسن المجتبى (ع).انظروا كتاب التشيع العلوي والتشيع الصفوي للدكتور علي شريعتي.
حتى مات اسماعيل شاه الصفوي مسلولا عن عمر يقل عن الاربعين سنة، ليخلفه الشاه طمهاسب، وهكذا تستمر مسيرة التوسع والنفوذ الصفوي على حساب اتباع مذهب آل البيت (ع)، من قرصنة لتراثهم الناصع والغني واستبداله بما يناسب هوى السلاطين.
واستمرت مأساة الشيعة طوال فترة حكم الملوك الصفويوون، حتى جاء نادر شاه مؤسس الدولة الافشارية والذي اطاح بدولة الصفويين، وكان معتدلاً، حيث اراد ان يزيل تلك المظاهر الطائفية في ايران، من سب للصحابة (رض)، ولكنه سرعان ما اغتيل على يد متطرفين.
نعم انتهت الدولة الصفوية ولكن آثارها المأساوية على الشيعة مازالت باقية، فكل ذلك الارث الثقيل من اطنان من المؤلفات بقيت كجمرة لم تخمد نارها لتستعر ثانية، اي بداية لعهدٍ صفوي ثانٍ اخطر بكثير من سابقه، ولكنه بصورة اخرى اكثر دهاءاً، فالشاه او الملك في الدولة الصفوية الثانية لا يسمى كذلك، بل يسمى اية الله العظمى ونائب الامام المعصوم، والمرشد الاعلى، فهو الدين والدنيا في آن واحد وحلقة الوصل بين العِباد والسماء، وكذلك فالصفوييون الجدد تبنوا فكرة شاذة تماماً ودخيلة على الفكر الشيعي تمكنهم من السيطرة على الشيعة بقبضة فولاذية، الا وهي “ولاية الفقيه” التي تقول ان المرجع الاعلى هو بمثابة ومقام النبي (ص) والعياذ بالله وله كل صلاحياته، وبالنتيجة فأن من يخالفه الراي فهو كافر ويستحق الموت في نظرهم وهذا ما يقولوه علناً، وكل غايتهم في ذلك هي نفس غاية اسلافهم من الملوك الصفويين الاوائل وهي الحكم الاستبدادي والتوسعي، عن طريق الاحتلال الفكري وليس العسكري، وهذه المرة اتوا بعنوان مختلف ولكن المضمون واحد وهو تسييس المذهب الشيعي لضمان استمرارية الدولة الصفوية الثانية، ومعاقلهم الرئيسية من بعد ايران هي كالعادة العراق ولبنان اللذان هما دائماً وعبر التاريخ يشكلان خطين احمرين بالنسبة لهم، تلك الدولتان اللتان ابتلييتا بهذا الكابوس المدمر، وهم اليوم يدفعون ثمناً باهظاً من عدم الاستقرار والفقر الاقتصادي والاجتماعي بسبب هذا الاحتلال لهما، فتراهم يخاصمون من تُخاصم ايران ويتصالحون مع من تصالح، ولكن طموح الدولة الصفوية الحديثة هذه المرة اكبر بكثير من حدود تلك الدولتين، فعيونهم على شعب الخليج العربي اولاً لما لديه من الخيرات الكثيرة، وما تدخلهم في البحرين بعنوان مساعدة شعبها المهمش لخير دليل على ذلك، وهذا لا ينفي معاناة الشعب البحريني الآصيل من الاهمال والتهميش الكبيرين بحقه، ولكن لا يمكن معالجة خطأ بخطأ افدح منه، ولينظر الشعب البحريني الكريم الى الشعوب الايرانية التي تغلي وتإن من شدة الظلم والحيف والاستبداد والفقر المتقع الذي تعيشه بسبب حكامها المستبدون. وكذلك تدخلهم السافر في الكويت والامارات العربية، فهل يوجد بهما شعب مهمل او مهمش ؟، ثم توجهوا الى اغلب دول افريقيا واجزاء كبيرة من آسيا بعنوان ظاهِرَهُ نشر التشيع، والهدف الحقيقي منه كما اسلفنا هو الهيمنة السياسية والفكرية والاقتصادية على تلك البلدان، ونشروا خلاياهم النائمة في كل اصقاع الارض للنهوض في الوقت المناسب، وبروز فئة “الصفويين الجدد” وهي فئة عالمية اي لا تختص بالايرانيين فقط بل من مختلف الجنسيات العربية والاسلامية، فهم يعملون على نشر فكرة ومبادئ الحكم الصفوي بقيادة الاولياء الفقهاء تحت غطاء نُصرة التشيع لآل بيت النبي (ص) والذين هم منهم براء،
وهنا تقع مسؤلية كبيرة على عاتق كل محبي الحرية من المسلمين سنة كانوا ام شيعة، ان يكونوا متحدين يداً بيد لانقاذ الدين من ذلك الفايروس الفتاك الجديد، وذلك بالعمل الجاد على نبذ الفرقة، تلك الفرقة التي تشكل الوقود الضروري والاساسي لبقائهم وتوسعهم.
وما نهاية طاغوت سورية إلا ضربة موجعة لتلك الامبراطورية لما يشكله لهم من مخلبٍ حيوي في المنطقة.
– See more at: http://www.elaph.com/Web/opinion/2012/9/762118.html#sthash.Ex8QwOsb.dpuf