الجهل في التأويل
اتفق جمهور المسلمين (عدا شذوذ عدد قليل جداً منهم يكاد ان لا يذكر) على ان القرآن الذي هو مابين الدفتين كامل وغير منقوص ولم يتعرض الى اي تحريف .
تغيرت حياة العرب وغيرهم ممن اعتنق الاسلام تغيراً جذرياً لاسباب كثيرة ، منها تحريم ظلم البشر ، والشرك بالخالق ، والقتل العمد ، واكل مال اليتيم ، واكل الميتة ولحم الخنزير الخ.
وكذلك نهى القرآن عن امور ضارة بالانسان وبالمجتمع ولكن ليس بلهجة التحريم ، وانما بلهجة اخف ، كالاجتناب كما في الخمر والميسر ، كونهما اعراف انسانية قديمة .
كذلك نظم العقود ومنها التجارية والاجتماعية والقضائية والارثية ، الى ان وصل الى حد تربية وتهذيب الفرد تجاه والديه وابنائه وزوجه .
ولكن من جانب آخر ، وبسبب عدم التمكن من قراءة صحيحة للقرآن ، واجه المسلمون اكبر مشكلة في تاريخهم ، وهي ارهاب الانسان لأخيه الانسان ، من خلال قراءة لقوله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
ترهبون به عدو الله وعدوكم ..
ليسأل ذلك القارئ الجاهل شيخه الذي هو اكثر منه جهلا ، يا مولانا وما تفسير هذه الاية الكريمة ؟
فيجيبه “مولاه” بما انك عبد صالح من عبيد الله ، فعدو الله وعدوك واحد وهو الكافر ، ومن هو الكافر الذي نحن مأمورون بإرهابه يامولانا ؟ وهنا الطامة الكبرى التي ادت الى سفك الدماء وانتهاك الاعراض واستباحة الاموال ، فيجيبه ذلك “المولى”، الكافر هو ذلك الغير مسلم والدليل هو قوله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن يتبع غير الاسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الاخرة من الخاسرين ..
ويأتي “مولاً” آخر ليوسع معنى كلمة كافر لتشمل المسلمين الذين ينتمون الى طوائف اخرى ، ويقول لجُهّاله ان الكافر هو من لم يصلي الجمعة مثلاً ، (حيث كان الشيعة الامامية لم يصلوا الجمعة قبل عام 1979 اي قبل ثورة الخميني في ايران ، لاعتقادهم بأن المخول لاقامتها هو الامام المهدي ) وبالتالي فمن لم يصلي الجمعة فهو غير مسلم ، لذا فالاية تنطبق على الشيعة ، وآخر يفسر معنى الكافرين او الخاسرين هم من لم يؤمنوا بخلافة الشيخين ابو بكر وعمر (رض) ، والشيعة كما هو معروف لهم خلاف مع الشيخين .
ومن الجانب الاخر وكردة فعل ساذجة يقول “المولى” لجُهّاله من لم يعترف بولاية الامام علي (ع) فهو كافر بل في الدرك الاسفل من النار ، ونجد ذلك متجلياً في مواقع التواصل الاجتماعي لمراجع اللايكات الجدد .
لتكبر تلك الآفة الخطيرة لتشمل حتى من ينتمي لمذاهبهم نفسها إن لم يتفقوا معهم في الرأي ، فنرى في ايران يقولون في شعاراتهم الرسمية الموت لمن هو ضد “ولاية الفقيه” ، والمقصود هنا جميع مراجع الشيعة على الاطلاق من الاولين والاخرين هم ومقلديهم كونهم لا يعتقدون بإحدوثتهم التوسعية الباطلة وهي ولاية الفقيه ، ليتساووا في تحريضهم هذا على الجريمة مع ألد اعداء الشيعة من متشددي الوهابية والسلفية الجهادية الذين يُكَفرون ويقتلون حتى السنة الصوفية الناصعة والمملوءة بالحب والسلام ، ويهدمون اضرحة اوليائهم الصالحين الذين عبدوا الله خير عبادة .
وهكذا تحول المسلمون من تكفير الديانات الاخرى الى تكفير انفسهم ، وبدأت شلالات الدم بينهم تجري بدلاً من انهرهم التي جفت بسبب سخط الخالق عليهم .
ومن جانب آخر نجد وفي نفس القرآن ، آيات لو لم نفهم تأويلها الصحيح ، ستبدو لنا بأنها تخالف تلك الآية التي سبقتها تماماً ، ومنها
بسم الله الرحمن الرحيم
ان الذين أمنوا والذين هادو والنصارى والصابئين..لاخوف عليهم ولا هم يحزنون ..
فالآية التي سبقتها تقول من لم يكن مسلم فهو في الاخرة خاسر اي في جهنم ، ولكن ألآيتين الشريفتين لا ربط بينهما ، فالاولى تقول من خالف الله وتعاليمه اي لم يسلم وجهه لخالقه ولم يسلم الناس من يده وافعاله فهو في الآخرة من الخاسرين اي كافر ومشرك وإن كان مسلماً محمدياً .
والثانية تطمئن اليهود والمسيحيين والصابئة (الذيسماهم ابراهيم ع بالمسلمين) وتؤكد على انهم من عباد الله ولهم ثوابه ولا ليس عقابه .
بسم الله الرحمن الرحيم
مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ..
اذن فهو الجهل بعلم التأويل لكلمات كثيرة منها كلمة مسلم ، وهذا هو ما اوقعنا في التخبط وعدم معرفة الحق من الباطل .
وكذلك الاية الشريفة
بسم الله الرحمن الرحيم
لكم دينكم ولي دين
فظاهرها تسامح مع اتباع غير الدين الاسلامي ، فمنهم من قال انها تنطبق على اتباع جميع الديانات الاخرى ، ومنهم من ذهب الى التفاسير القائلة بانها تشمل فقط الكفار الوثنيون حسب تفسير الطبري .
والحال هو إن الآية الشريفة تخاطب الطغاة والظلّمة والكفار بتعاليم الله من كل الاديان والمعتقدات ومنها الاسلامية ، وتقول لهم : لكم طريقتكم المنحرفة التي اخترتموها لانفسكم ، والتي ستؤدي بكم الى التهلكة ، ولي انا طريقتي المثلى .
فالاختلاف ليس فقط في التفسير ، بل انه وصل الى كيفية قراءة القرآن الكريم ، وهذا الاختلاف في القراءة بين المسلمين انفسهم هو كارثة حقيقية عمقت الخلاف فيما بينهم ، كون المعنى يختلف اختلافاً جوهرياً .
ورأيناهم طوال قرون من الزمن ، منشغلين يتراشقون التُهم فيما بينهم على قراءة القرآن الكريم الذي انزله الله بلغتهم ، يجهلون اين يضعون النقطة في آية التأويل مثلاً ، وكذلك يجهلون قراءة ارجلهم هل بفتح اللام ام بكسرها ، كونها تعطي معنى مختلف كما في آية الوضوء .
وكتبوا في خلافاتهم الكثيرة مؤلفات ومجلدات تملأ تلك الارفف ، وكما شغلت مؤلفاتهم الخلافية حيزاً مكانياً، فهي كذلك شغلت حيزاً فكرياً كبيراً في ادمغة المسلمين ، مما اوقفتهم عن مواكبة عجلة الزمن في التقدم وفي كافة المجالات العلمية ، ان كانت في الطب او العلوم الاخرى ، لذا فهم اليوم متخلفين بسنين ضوئية عن اقرانهم من البشر الذين لم تشغلهم خلافاتهم الكثيرة، وكتبهم التاريخية التي لا يعيرون لها اهمية تذكر ، لذا نراهم يبدعون في التقدم العلمي بكافة اشكاله .
إذن ، فالتفاسير كثيرة ومتضاربة فيما بينها .
هذا ما يخص التأويل والتفسير ، وهناك الناسخ والمنسوخ وفيه ما فيه من كوارث الاختلاف ، فالبعض يقرأ اية تبدو واضحة كقوله تعالى (فما استمتعتم به منهن فاتوهن اجورهن فريضة) ويفهموها كما هي ، اي ارتباط رجل بإمرأة بزواج منقطع يتفق فيه الطرفان على تحديد الاجل ، وعلى ان يدفع لها اجر مقابل ذلك .
والبعض الاخر قال ان الاية هذه نُسخت بآية اخرى ، ويتهم من خالفه بفهمها بالزنا والاباحية بالاضافة الى الكفر .
هذا من ناحية المنسوخ المكتوب ، وهناك المنسوخ والمرفوع خطياً ولكن حكمه مازال نافذاً بحسب آراء بعض الفقهاء ، كآية الرجم وإرضاع الكبير .
وهناك المحكم والمتشابه ، والظاهر والباطن لآيات القرآن الكريم .
ويشتد الخلاف بين المفسرين ان كانوا من طوائف مختلفة او حتى من الطائفة نفسها ، فلو اخذنا مثالاً آخر على الخلاف الشديد في التفسير وهو خلاف ليس بمذهبي بل هو خلاف عام ، في قوله تعالى في سورة النساء اية ٣٤
(واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فان اطعنكم فلا تبغوا..) .
فمن الواضح ان هناك امر بضرب الزوجة ، ولكن وبعد العولمة وحقوق الانسان تَحّرج المسلمون من قرآنهم فبدؤوا يلتمسون الاعذار للخالق ، على ان الضرب ليس بمعناه اللفظي بل يعني النصيحة والتهديد به والزجر الخ. ، وتفسيرات وتأويلات ما انزل الله بها من سلطان ، ويأتي آخر ليقول انه ضرب خفيف جداً بشرط ان لا يشمل الوجه ، واخر يقول ضرباً بعضد الكرفس او الريحان وآخر يقول النعناع ، من اجل ان تُردع المرأة وتنضبط ، لا من اجل العقوبة والانتقام ، عجباً ! وهل بضرب لطيف بعضد الكرفس او النعناع هو ما سيردعها من كارثة كبرى كالنشوز ويجعلها منضبطة ومطيعة ؟ فالاية الكريمة تشترط طاعتها فأن حصلت تلك الطاعة حينها يجب التوقف عن الضرب ، بقوله تعالى (فأن اطعنكم فلا تبغوا) ، إذن فهو بغي عليهن حتى يُطِعنَ ، والبغي لا يكون بعضد النعناع .
فهذا هو خير دليل على صعوبة فهم القرآن الكريم ، ودليل آخر على التخبط في الفهم الذي ادى الى كل هذا الغل والكراهية ، التي هي مرة مع الكافرين ، ومرة مع اهل الكتاب ، ومرة مع امة لا إله الا الله ، واخرى مع اتباع المذهب الواحد ، ناهيك عن التجريح والتشهير والقذف والقاء التهم حتى بين مراجع الدين الكبار انفسهم ، الذين اصبح كلامهم مبتذلاً وسوقياً.
كما قال احدهم في الفضائيات الدينية المنتشرة في يومنا هذا ، وهو يُشهّر بزميل اكبر منه سناً ، بأن المخابرات العالمية من اتت به مرجعاً ، وانا اعلم منه !
فما بالك بالجُهال من الطرفين ، هذا فقط نزر يسير من الخلافات في ما يخص القرآن الثابت والغير محرف الذي اختلف المسلمون في تفسيره وتأويله ، بل وحتى في كيفية قراءته ، فما بالك بالسنة النبوية الشريفة التي يقولون فيها بأنها مُكمِلة للقرآن وكانه ناقص ، بل ويقولون بأنها تنسخ القرآن ، وفيها ما فيها من الكم الهائل من الروايات والاحاديث الموضوعة والمنسوبة زوراً وبهتاناً للنبي الاكرم (ص) وصحابته والائمة الطاهرين من آل بيته الشريف ، وكذلك فيها من الانحطاط الانساني المشين .
اذكر منه مثلاً بسيطاً لاثبت ذلك الانحطاط بل الشذوذ البشري ، ألا وهو ارضاع الكبير ، ايعقل ان يكون ذلك صحيحاً عن النبي الاكرم الذي امتدحه الخالق عزوجل في كتابه العزيز (انك لعلى خلق عظيم ) اليست هذه اهانة مابعدها اهانة للحبيب المصطفى ص ؟
وعقد الزواج بالمحارم الذي لا يعتبر شبهه عند البعض من ائمة المذاهب ، وكذلك العقد على الطفلة الرضيعة الذي اجازته جميع المذاهب .
وهنا اكتفي ، فوالله لو اطلعتم على ماهو منقول في امهات كتب الحديث والروايات الهزيلة التي بني عليها الفقه الاسلامي لجميع المذاهب ، ومنها تلك التي تسمى “بالصحاح” ، لاقشعرت ابدانكم من هول ما فيها ، والمصيبة انهم يقولون ان كل هذ المجون والاستهتار بقيم السماء والانسانية ، منقول عن النبي وآله وصحبه الكرام .
فهل من طعن بالدين الحنيف والقرآن الكريم والنبي الاكرم ص اكبر من هذا ؟ انا ترددت في الدخول في هذا الجانب المؤلم والمظلم من ديننا الذي نعتز به ، ولكن فتح الجُرح للهواء وتطهيره افضل من غلقه وتغطيته وهو ملوث ، كونه بالتالي سيؤدي الى البتر او القضاء على كامل الجسد .
اذن ، فالحاجة للاصلاح الديني الذي هو من اهم واجباتنا ، هي كبيرة جداً .